Category / مهارات

مهارات

تدوين الملاحظات

أنصح طالباتي في قسم التاريخ في بداية كل فصل دراسي بالمتابعة معي كتابيًا خلال المحاضرة، ومن ثمّ الربط بين ما نعرضه ونناقشه وبين مصادر التعلم الأخرى، مثل: الكتاب المقرر، والخرائط، والرسوم، والصور وغيرها، ويطول النقاش بيني وبينهم بما يشبه التفاوض للاختيار بين المحاضرة أو الكتاب، واستبعاد ما عداه من أي اختبار أو تقييم. وهذا الحوار المتكرر لفت انتباهي إلى الصعوبة التي قد يجدها بعض الطلاب في الربط بين مصادر التعلم المتنوعة، ودائمًا ما أشير عليهنّ باتباع طريقة بسيطة، وهي: تدوين الملاحظات بطريقة فعّالة.

لماذا؟

لماذا يحتاج طلاب التاريخ لتدوين الملاحظات؟

يتميز تخصص التاريخ بتنوع المصادر، وغزارة المعلومات، وتعدد الزوايا التي ينظر منها للحدث التاريخي، وتعتمد دراسة التاريخ على مهارات عديدة، من أهمها: القراءة، والاستماع، والمشاركة، التي يجب على الطالب أن يتقنها بشكل فعال نشط، يمكّنه من اكتساب المعرفة، ومن ثم استرجاعها، واستبقائها، وتطبيقها، وتدوين الملاحظات يعد أداة مهمة لتطوير هذه المهارات، كما أنه ينمّي لدى طالب التاريخ مهارات أخرى؛ من بينها:

التركيز؛ فتدوين الملاحظات يساعد على التركيز، وممارسة التركيز باستمرار تجعله عادة إيجابية لا يستغني عنها الطالب.

الفهم؛ فيساعد تدوين الملاحظات أيضًا على الفهم الأعمق للأحداث؛ لأن الطالب خلال التدوين سيعيد الصياغة بأسلوبه وبالتالي يفهم الأحداث والأفكار بشكل أفضل.

التنظيم؛ يساعد تدوين الملاحظات في تنظيم المعلومات، وبالتالي يسهل استرجاعها، والتعبير عنها شفهيًا أو كتابيًا.

متى؟

ما هو الوقت المناسب لتدوين الملاحظات؟

يواجه الطلاب ضغوطًا عديدة، منها ضيق الوقت، وتعدد المهام، وقد يدفعهم هذا الوضع للتراخي في تدوين الملاحظات والاعتقاد بأنها أمور جانبية، قابلة للتأجيل، ولكن في رأيي، أن تدوين الملاحظات يعد من أهم الأمور التي ينبغي البدء بها منذ بداية العام الدراسي؛ سواء أثناء المحاضرة، وخلال إعداد الواجبات والتكليفات الكتابية، وعند المذاكرة من الكتب المقررة، وكذلك عند استخدام الخرائط والصور وغيرها من المصادر.

ماذا؟

ما هي الملاحظات المفترض بطالب التاريخ تدوينها؟

قد يقف طالب التاريخ في حيرة أمام غزارة المحتوى التاريخي، وتشعبه، وتشابك الأحداث، وتعدد الشخصيات، ويتساءل: من أين أبدأ تدوين ملاحظاتي؟ من الأفضل أن يركز على تدوين المعلومات الأساسية للأحداث الكبرى، مثل: تاريخها، وأسبابها، ونتائجها، وأسماء الأعلام والشخصيات وأبرز أدوارها، والمصطلحات التاريخية، وفي حال مرت به خرائط، أو رسوم، أو صور فيدوّن الموضوع الذي تقدّمه، وعلاقته بما يدرسه.

كيف ؟

ماهي الاستراتيجية الأفضل لتدوين الملاحظات؟

تختلف استراتيجيات تدوين الملاحظات حسب السياق ومن طالب إلى آخر. فلذلك لا بد أن يحدد الطالب أولًا الوسيلة التي يفضلها في التدوين، ويستعد لاستخدامها، فهل يفضل التدوين باستخدام الهاتف المحمول، أو الكمبيوتر اللوحي، وهنا لا بد أن يضع في اعتباره مستوى سرعته في الكتابة، وقدرته على التعامل مع المشتتات التي قد تحدث بسبب إشعارات التطبيقات الأخرى على الجهاز، ووجود مكان محدد لحفظ وتنظيم الملاحظات، وإمكانية الحفاظ عليها من الحذف والضياع.

هل يفضل التسجيل الصوتي، بأن يسجل ملاحظاته صوتًا، وهذا الخيار قد يبدو مناسبًا وسريعًا وسيوفر الوقت، خاصة إذا كان يدون ملاحظاته على كتاب، أو رسم، أو صورة، ولكنه بحاجة إلى التفريغ، ليسهل البحث خلاله، وربطه بغيره من مصادر، ومن جهة أخرى ليس بإمكان الطالب أن يسجل ملاحظته صوتيًا إن كان يحضر محاضرة مباشرة.

بالنسبة لي أوصي دومًا بتدوين الملاحظات باستخدام الورقة والقلم، فهي وسيلة سريعة، يسهل تنظيمها وإثراؤها مباشرة بالتلوين، والتقسيم، والتبويب في مربعات، أو أسطر، ومن السهل كتابتها في فقرات إنشائية، أو في خرائط ذهنية، أو رسومات أو غيرها، والأهم بالنسبة للطالب ألّا يسمح لهذه الإبداعات أن تلهيه عن هدفه الأساسي من التدوين، وهو متابعة المحاضرة.

ثانيًا، نوع المحتوى الذي سيدون ملاحظاته عنه، وتظل الكتب والمقالات المطبوعة هي الأسهل في تدوين الملاحظات عنها، لأن نص المادة موجودة بين يدي الطالب، ويملك التحكم فيها، وإعادة قراءة ما يصعب عليه. أما الخرائط والصور وغيرها من الوسائط، فتتطلب تأملًا للوصول إلى ترجمة نصية لمحتواها، ومعلوماتها. وبالنسبة للمحاضرات الشفهية، فتحتاج أن يركز الطالب مع المحاضر، وما يقوله، وبالتأكيد أن العرض المصاحب للمحاضرة مهم للمتابعة، لتحديد النقاط الرئيسة للموضوع. ومن المهم الانتباه للتأكيدات الصوتية، ونبرة صوت المحاضر، فهي دلالة مهمة على النقاط المهمة في المحاضرة.

يكمن التحدي في القدرة على تقسيم الانتباه بين الاستماع وتدوين الملاحظات، وهي أمر يمكن إتقانه مع التدريب والممارسة، ويمكن كذلك التعاون بين الزملاء من خلال مشاركة الملاحظات في نهاية المحاضرة، لاستكمال أي نواقص.

وبشكل عام، يجب مراعاة تدوين ملاحظات واضحة، ودقيقة، ومترابطة، ومنظمة، مصاغة بأسلوب الطالب وكلماته.

مهارات

إستراتيجيات مقترحة للكتابة

يواجه بعض الباحثين صعوبة عند بدء كتابة البحث، فيقف أحدهم حائرًا ومتسائلًا من أين أبدأ؟ وكيف سأكتب الصفحة الأولى؟ وبلا شك فإن هذا الشعور شعور محبط، يؤثر معنويات الباحث، والمعلومة التي قد لا يعرفها الكثيرون أن هذا الشعور لا يقتصر على الباحث المبتدئ، بل هو شعور طبيعي يواجه بعض الباحثين المتمرسين كذلك، وإن كانت قدرتهم على تجاوز هذا الشعور أكبر لسبب بسيط، هو أنهم مع الممارسة الطويلة طوروا لأنفسهم إستراتيجيات خاصة تساعدهم على الكتابة.

وفيما يلي بعض الخطوات والاستراتيجيات التي من شأنها المساعدة على الكتابة المنتجة:

التريث قبل البدء بالكتابة:

يخلط بعض الباحثين خاصة المبتدئين بين مرحلة جمع المعلومات، وبين مرحلة الكتابة. ومن المهم أن يدرك الباحث أن الكتابة ليست المرحلة الأولى من البحث، وإنما هي المرحلة الأخيرة. ولا بد أن تسبقها مراحل مهمة، وهي: جمع البيانات، وتحليلها، ودراستها دراسة كافية؛ لأن هذه المراحل هي ما يعطي الباحث مخزونًا وافيًا يكتب منه، فالأفكار هي وقود الكتابة، والأفكار الجيدة تتشكل بالقراءة والتحليل.

البداية بالكتابة الحرّة:

فيبدأ الباحث بالكتابة، بالطريقة والأدوات التي يرتاح لها، فيكتب بانسيابية، تاركًا لنفسه العنان لتدوين أفكاره. ومن الضروري ألا يتوقف الباحث كثيرًا في هذه المرحلة لتصويب المفردات، أو تعديل الصياغة، وإنما يؤجل ذلك إلى مرحلة لاحقة. فالكتابة الحرة تساعد في تطوير أفكار الباحث، وتحثه على المزيد من التفكير، كما أن الفجوات التي ستظهر له أثناء الكتابة الحرة هي ما سيوجه جهوده، ويدفعه نحو الاستزادة، ثم العودة لإثراء الكتابة.

تقسيم وتصنيف ما كُتِب:

في المرحلة التالية من المهم أن يرجع الباحث إلى ما كتبه خلال المرحلة السابقة، ثم يراجعه، ويقسمه إلى وحدات، مصنفة حسب خطة بحثه. وبعد ذلك سيجد أن هناك أجزاء من السهل عليه أن يبدأ بها أولًا، فيبدأ دون تردد، وسيستكمل لاحقا الدمج، والربط، والتعديل وفق السياق.

الاستمرار وعدم التوقف:  

من المهم أن يستمر الباحث في الكتابة، ولا يتوقف، إذ تعد الكتابة اليومية المنتظمة مفتاحًا من مفاتيح الإنجاز، وإستراتيجية يتبعها الكثير من الباحثين المنتجين، ويذكر باول ج. سيلفيا في كتابه كيف تكتب الكثير أن الكتابة المنتظمة لمدة محددة لا تقل عن 20 دقيقة يوميًا تعد إستراتيجية أساسية للإنجاز البحثي. (راجع أيضًا تدوينة سابقة في مدونتي عن كتاب عمل عميق). ومع الكتابة المنتظمة المتواصلة، سيتكوّن لدى الباحث مسودة أساسية لبحثه.

تخصيص وقتٍ كافٍ للمراجعة والتعديل:

يجب أن يعطِ الباحث نفسه الفرصة الكافية لتعديل المسودة، وتنقيحها ومراجعتها وتحسينها، ومن الجيد أن تقسم مرحلة المراجعة إلى مراحل جزئية، وهي:

البدء بمراجعة بنية البحث ذاته، ومحتواه العلمي، وهي مرحلة مهمة جدا في البحث، وهي مرحلة تحتاج الكثير من التركيز والانتباه، فمن خلالها سيتمكن الباحث من كتابة نتائج البحث والخاتمة، كما سيجد في هذه المرحلة أن لديه العديد من الإضافات المهمة لمحتوى البحث.

ينتقل بعدها إلى التنسيق الشكلي، من استكمال المراجع، وضبط الهوامش، وتنسيق الرسوم، وعناوين الجداول، وتنسيق الصفحات والخط، وغيرها، ومن المهم أن يتقن الباحث المهارات التقنية اللازمة للقيام بهذه المهام، فهي مهارات أساسية للباحث المعاصر.

ثم المراجعة النهائية، للبحث ككل متكامل بكافة أقسامه، وكلما وجد الباحث فرصة للتعديل، فليبادر بالتعديل دون تردد ودون ملل، حتى يصل إلى درجة من الرضا عن عمله.   

هذه بعض الأفكار التي أردت مشاركتها معكم، ويبقى لكل باحث طريقته التي تتلاءم مع شخصيته، وظروفه، ومستوى خبرته.

مهارات

القراءة في الزمن الطويل

تراكمت أحداث التاريخ خلال فترات زمنية متصلة، أنتجت كمًا كبيرًا من المعرفة التاريخية؛ ومع تطور علم التاريخ وتقنينه المنهجي، قُسِّمَ التاريخ إلى فترات وحقب متتالية؛ لتسهيل دراسته أمام المتخصصين وفق أطرٍ زمنية لها سمات مشتركة. ومن المعروف أن المتخصص في التاريخ يبدأ بدراسة خلاصة عامة للتاريخ، ثم يتخصص في فترة تاريخية محددة، وتدريجيًا يضيق نطاق التخصص ببؤرة اهتمام أكثر تركيزًا تتيح للباحث الكشف عن تفاصيل الفترة التي يدرسها.

ورغم أهمية التخصص، إلا أنه لا يعني أن ينعزل دارس التاريخ وراء جدران المقررات المحددة، أو التخصص الدقيق، فمن المهم أن يعزز الصلة العلمية والمهنية مع تخصص التاريخ بمنظوره الأوسع.

ومن الأساليب التي تعين في توسيع مجال المعرفة التاريخية: القراءة الحرّة وفق استراتيجية الزمن الطويل. ويقصد بالزمن الطويل، الفترات التاريخية التي تمتد عبر فترات زمنية طويلة لقرن أو أكثر، ويعرفه البعض بأنه زمن الحركة التاريخية على مدى طويل يمتد لعدة قرون.

القراءة الواعية للأحداث على مدى الزمن الطويل تساعد في توسيع الخبرة التي تنمّي مهاراتك وقدراتك

وينتج عن اتباع هذا الأسلوب والمواظبة على تطبيقه اكتساب دارس التاريخ لمهارات عديدة تنعكس على فهمه للتاريخ؛ ومنها: القدرة على التعامل مع السلسلة الزمنية الممتدة واستيعابها، والتمكن من تجاوز التتابع الضيق للأحداث، والارتقاء إلى مستوى أعلى يمكن من تتبع التطورات الأبرز التي أثرت في مسيرة الأحداث التاريخية، كما ينمي هذا الأسلوب فهم الظواهر التاريخية، ويظهر أوجه الاختلاف والتشابه بينها. ويعزز مهارات الربط، والمقارنة والترتيب، وهي مهارات لا يستغني عنها الباحث.

مهارات

البحث عن فكرة

إلى الباحثين في مجال التاريخ

يتطلع العديد من الباحثين لتطوير مسيرتهم العلمية، وتعزيز مكانتهم في التخصص من خلال الإنتاج العلمي المتميز، والمستمر. ولكن البعض منهم، خاصة المبتدئين، قد تواجههم صعوبة، في التوصل إلى أفكار جديدة، ويشعر البعض أن الطريق مغلق. فيقف حائرًا ومتسائلًا: من أين تأتي الأفكار الجديدة؟

ومن وجهة نظري، فإن الإجابة عن هذا السؤال بسيطة، فالأفكار الجديدة تنبع من تخصص الباحث، واهتماماته العلمية، وإمكانياته، ومهاراته. والشعور بنضوب الأفكار مؤشر على الحاجة إلى مزيد من الجهد، والبحث لاستخراج الأفكار.

ومن الاستراتيجيات التي ستضمن للباحث في مجال التاريخ الخروج بأفكار جديدة:

القراءة العميقة، ومتابعة المستجدات، والاطلاع على الدراسات الحديثة في مجال التاريخ بشكل عام، والتخصص الدقيق بشكل خاص.

استكشاف مصادر التاريخ الجديدة، ومن المهم الانتباه إلى أن استكشاف المصادر الجديدة لا يعني الخروج من تخصص التاريخ إلى تخصص آخر.

الاطلاع على المناهج الجديدة في دراسة التاريخ، فالتاريخ ليس علمًا جامدًا، بل يتطور باستمرار.

بعد الانتهاء من هذه المرحلة، سيجد الباحث أن لديه فكرة جديدة، ولكنها قد تكون مشوشة. وهنا لا بد من تنقيتها، وصقلها، وحل التشابك فيما بينها وبين الأفكار الأخرى، حتى الوصول إلى فكرة منطقية سليمة مؤطّرة ضمن حدود زمانية ومكانية وموضوعية واضحة.

المرحلة التالية هي اختبار الفكرة، ومقارنتها بالدراسات السابقة، في مجالها، ومن المهم أن يطرح الباحث في ذهنه سؤالًا مهمًا، ما هو الجديد الذي ستضيفه هذه الفكرة. ثم القراءة أكثر حول الفكرة المحددة، والتأكد من وجود المصادر التي تغذيها، والتأكد من أن الفكرة تناسب إمكانيات ومؤهلات الباحث. وهنا يصبح لدى الباحث فكرة جديدة ونواة لدراسة علمية سيعمل عليها حتى ترى النور.

وفي مرحلة البحث عن الفكرة أوصي الباحث أن يبتعد عن بعض الممارسات التي تضر به، وبمسيرته العلمية، ومنها:

استنساخ الموضوعات التي سبق للباحث أو لغيره نشرها، وتقديمها على أنها أفكار جديدة، دون أن يكون هناك إضافة علمية أصيلة، ومكمن الخطأ في هذا التصرف أنه يتنافى مع أخلاقيات البحث العلمي، ويدل على سطحية الباحث وعدم تمكنه من مجال تخصصه.

طلب أفكار جاهزة، ممن هم أكثر خبرة، وهنا أيضًا لا بد من التفريق بين طلب الاستشارة والاسترشاد برأي أهل الخبرة، وبين طلب حلٍّ جاهز دون جهد. ومكمن الخطأ هنا أن التمرّس على توليد الأفكار الجديدة جزءٌ مهم من التكوين العلمي للباحث، وكل فكرة تنبع منه هي جزء من معارفه، وخبراته المتراكمة، والمنسجمة مع شخصيته وفكره.