Tag / التركيز

قراءت

عرض لكتاب: “الأستاذ البطيء، تحدي ثقافة السرعة في البيئة الأكاديمية” لـ: ماغي بيرغ وباربرا سيبر

انشغلت عن التدوين خلال الفترة الماضية، بسبب الكثير من المهام والأعباء التي تتطلب وقتًا لم يعد من السهل إدارته، ومن الطريف أن عودتي للتدوين من جديد تأتي لعرض لكتاب ينادي بالتصدّي لوتيرة السرعة المتزايدة التي أصبحت ملازمة للحياة الأكاديمية المعاصرة.

وعن قصة تأليف الكتاب، تذكر المؤلفتان، وهما أستاذتان جامعيتان في تخصص اللغة الإنجليزية، أنهما اطلعتا على نتائج الاستطلاع الذي أجرته الرابطة الكندية لأساتذة الجامعات حول الإجهاد المهني، في عام 2007، وصدمتا من النسبة المرتفعة للمستجيبين الذين أكد معظمهم معاناتهم من مشاكل جسدية ونفسية مرتبطة بالإجهاد، وعلقت المؤلفتان بالقول إن قراءة هذا الاستطلاع كان بمثابة “فتح نافذة، وحول تفكيرنا من السؤال: ما هو الخلل فينا؟ إلى السؤال: ما هو الخلل في النظام الأكاديمي؟”

ومع البحث في الموضوع توصلت المؤلفتان إلى نتيجة وهي أن الخلل جاء مع تحول الجامعات إلى تبني ثقافة الشركات، ومعاييرها، والسعي لتطبيقها في التعليم العالي، مما أدى لتحول في ثقافة الجامعات، ورصدت المؤلفتان جانبًا من مظاهرها؛ فمع الاتجاه القوي نحو تسليع التعليم العالي، وهيمنة المبررات الاقتصادية عليه، انحصرت الأهداف التعليمية فيما يتوافق مع معايير السوق، وأصبح ينظر للطالب على أنه عميل، وعضو هيئة التدريس ونشاطه العلمي على أنه منتَج، وتوسّع الجهاز الإداري القائم على أعضاء هيئة التدريس، وتغلغلت المهام ذات الطبيعة الإدارية والمكتبية في صميم العمل الأكاديمي لعضو هيئة التدريس، فشتتته عن دوره الأساسي في التدريس والبحث والتفكير، ويشير الكتاب إلى نقاط أخرى مهمة، منها تحول مفهوم الإنتاجية ليقاس بمقاييس كمية، لا تتوقف عن المطالبة بالمزيد، وتطغى على الاهتمامات التربوية والفكرية، وانتقال السلطة من أعضاء هيئة التدريس إلى الجهاز الإداري.

ولمواجهة هذا الانجراف الذي تقوده السرعة، يقدم الكتاب نقاشًا جديرًا بالقراءة عن دور أعضاء هيئة التدريس في تعديل مسار الجامعات من خلال تبني مفاهيم “الحركة البطيئة”. وتشير المؤلفتان أن الحركة البطيئة تحمل أبعادًا إنسانية تعيد الإحساس بالمجتمع والعيش المشترك، وتساعد على التصرف بشكل هادف، وقد تزايدت الدعوات إل تطبيقها في مناحي الحياة المختلفة. ورغم أهمية الحركة البطيئة ترى المؤلفتان أنها لم تجد طريقها للتعليم العالي رغم أنه هو الأجدر بتبني هذه الثقافة، انطلاقًا من دوره في تنمية الفكر العميق.

نحتاج نحن وطلابنا وقتًا للتفكير، وهو ليس من باب الترف، ولكنه حاسم لما نقوم به

وخلال الفصول الخمسة للكتاب تناولت المؤلفتان قضايا مهمة تتعلق بالوقت، والتدريس، والبحث والفهم، والتعاون، تنطلق جميعها من أن الضغوط المتزايدة التي يعيشها عضو هيئة التدريس وضعته في خضم أزمة زمنية تجعله يشعر بالعجز، وتؤكدان أن هذه الأزمة لا يمكن حلها من خلال تدريبات وإستراتيجيات إدارة الوقت، أو تبني عادات عمل أفضل، فمصدر المشكلة في رأيهما هو التغيرات التي طرأت على نظام عمل الجامعة، والتي تتمثل في أعباء العمل المتزايدة، والوتيرة المتسارعة، فمعظم أعضاء هيئة التدريس يعملون لساعات طويلة، وليس لديهم إلا القليل من الوقت للتفكير أو القراءة أو الكتابة، وتعلقان بالقول: “يكفي أن تطأ إحدى الجامعات لتعلم أن الجميع يدعي أنه ليس لديه وقت، إنها كارثة عالمية”.

وفيما يتعلق بالتدريس والبحث، تؤكدان على أن هذه المهام تبنى أساسًا على النشاط العاطفي، الذي يتطلب حضورًا جسديًا ونفسيًا، ودرجة عالية من التفكير والتركيز. وبلا شك فإن التسارع في وتيرة العمل والمطالبة بالإنجاز، يأتي على حساب القيمة العلمية، خاصة عندما تخضع الأفكار والعقول لضغط مستمر.

لا يمكنك إنتاج شيء جديد دون إعطاء الوقت لتجديد الأفكار.

وتؤكد المؤلفتان بأن الحركة البطيئة ذات أهمية أخلاقية، تؤثر على نظرة الفرد لذاته، ومستوى تعاطفه مع الآخرين، وتشيران إلى الإفراط في العمل يدخل الزملاء في سباق محموم يشيع الأنانية، بينما تعطي الحركة البطيئة مساحة للآخرين، وبهذا المعنى فإن التباطؤ خيار أخلاقي يؤثر في سلامة البيئة الأكاديمية.

وعن قيمة التعاون بين الزملاء ودوره في توفير مناخ عمل صحي، تؤكد المؤلفتان أن التعاون يؤدي إلى صمود أعضاء هيئة التدريس في وجه تيار السرعة، ويعطي المجال لتشارك الأفكار، والتجارب، وتخفيف الأعباء، ويقدم دعمًا إنسانيًا لا يمكن الاستغناء عنه.

Berg, Maggie and Seeber, Barbara K. The Slow Professor, Challenging the Culture of Speed in the Academy, Toronto: University of Toronto Press, 2016.

قراءت

قراءة في كتاب “عمل عميق قواعد لتحقيق نجاح مركز في عالم مشتت”

أقرأ معكم من خلال مدونتي اليوم كتابًا أعتبره كتابًا مميزًا، بل ومن الكتب الجميلة والمحببة إلى نفسي، وهو كتاب بعنوان: عمل عميق، قواعد لتحقيق نجاح مركز في عالم مشتت، لكال نيوبورت.

الجميل في الكتاب أنه يشارك بسخاء نصائح، وإرشادات ساعدته شخصيًا على تحقيق النجاح والتميز العلمي والمهني

وأبدأ معكم من العنوان، فقد ابتكر المؤلف مصطلح (العمل العميق) وكتب حوله بعض المقالات على مدونته https://www.calnewport.com/blog/ ثم طور هذا المفهوم خلال هذا الكتاب.

يوضح نيوبورت أن كتابه له هدفان، الأول هو إقناع القراء بأن نظرية العمل العميق صحيحة، والهدف الثاني هو تزويد القراء ببعض الإرشادات التي تساعد في تطوير عادات عمل إيجابية تساعدهم في تحقيق التميز.

ويؤكد على أهمية العمل العميق بالقول أن العمل العميق ليس مهارة عتيقة قليلة القيمة، بل هو مقدرة مهمة لأي فرد يتطلع إلى التقدم.

فما هو العمل العميق من وجهة نظره؟

يعرفه نيوبورت بأنه الأنشطة المهنية التي تؤدى في حالة من التركيز المتواصل الذي يدفع قدرات الفرد المعرفية إلى أقصى مدى.  وعلى العكس منه يقدم تعريفًا للعمل السطحي، فهو المهام التي لا تتطلب معرفة، وذات طابع لوجستي، وتؤدى في أثناء تشتت الذهن.

ويقوم الكتاب على فكرتين:

الأولى: هي أن العمل العميق مهارة سينتج عن تطبيقها فوائد هائلة على المستوى الشخصي والمهني.

الثانية: أن إتقان العمل العميق ممكن من خلال اتباع إرشادات عملية تساعد في تطوير هذه المهارة.

ينقسم الكتاب إلى قسمين:

الأول بعنوان: الفكرة، ويلخصها في أن العمل العميق ذو قيمة، ونادر، وهادف.

أما الثاني فهو القواعد، وهي: العمل بعمق، وتقبل الملل، والامتناع عن وسائل التواصل الاجتماعي، وأخيرًا الحد من السطحية.

خلال الكتاب يشارك نيوبورت بسخاء وكرم تجربته الشخصية مع العمل العميق، فعلى الرغم من انخراطه في الحياة الأكاديمية بكل التزاماتها، والتزامه بالحياة الأسرية بتفاصيلها العديدة، إلا أنه تمكن من تحقيق أهدافه في التأليف والبحث والتدريس ومشاركة الخبرة مع الآخرين، وحول هذا يقول: “كافأني التزامي بالعمق بالعديد من الإنجازات رغم أني كنت نادرا ما أعمل حتى الخامسة أو السادسة مساء. لقد بذلت جهدا كبيرا في تقليص السطحية في حياتي، والاستفادة القصوى من الوقت المتوافر، فأنا أخطط لأيامي على أساس العمل العميق، إضافة إلى الأنشطة السطحية الضرورية… إن أيام التركيز المتواصل تؤتي الكثير من الثمار القيمة”.

ومن الأمور التي شدتني في الكتاب النماذج العديدة التي قدمها لأناس ناجحين تمكنوا من التغلب على التشتت، وأنجزوا أعمالهم بسلام وإتقان.

ومن النماذج التي تحدث عنها الكتاب البروفيسور آدم جرانت، وهو الأستاذ الأعلى في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، وحاصل على جوائز تدريسية وبحثية متعددة، واشتهر بإنتاجه العلمي الغزير، وتميزه البحثي، ومع ذلك كان منفتحًا ومعطاءً، مانحًا الكثير من وقته لمساعدة الآخرين، وشرح منهجه في كتابه الشهير: الأخذ والعطاء. فكيف تمكن جرانت من تحقيق هذا القدر من النجاح، إلى جانب العطاء المستمر؟ الجواب باختصار أنه تمكن من اتباع أسلوب يقوم على العمل العميق، إلى جانب الإيمان بقيمة مشاركة المعرفة كإستراتيجية رئيسة في التقدم المهني.

من النماذج التي قدمها نيوبورت كذلك، طالب دكتوراه يسمى برايان تشابيل، فخلال دراسته للدكتوراه التحق بعمل بدوام كامل، فضلا عن أنه رزق بطفله الأول خلال تلك الفترة، ورغم هذه الالتزامات إلا أنه تمكن من التغلب عليها، من خلال الالتزام بالعمل العميق على رسالته العلمية في الصباح الباكر ما بين الخامسة والسابعة والنصف صباحًا من كل يوم.

وخلال فصل الامتناع عن وسائل التواصل الاجتماعي شارك المؤلف العديد من التجارب لأشخاص تمكنوا من الحد من تأثير وسائل التواصل على أعمالهم، واختاروا العمل العميق الذي ساعدهم على الإنجاز، ومن التجارب الطريفة والملهمة التي ذكرها تجربة الكاتب “باراتوندي ثورستون” الذي قرر أخذ فترة راحة من وسائل التواصل، وقرر الانفصال عن حياته على الإنترنت لمدة خمسة وعشرين يومًا، ثم كتب عن تجربته في مقالة افتتاحية لمجلة فاست كومباني، وعنوان المقالة: “غير متصل”، والفائدة من تجربته أنها كشفت له أن وسائل التواصل تستنفد الوقت، وتقلل القدرة على التركيز، وتجعل الإنسان في حالة من التشويش، ولذلك فمن أجل إتقان فن العمل العميق لا بد من السيطرة على الوقت، والحفاظ على التركيز بعيدا عن الملهيات العديدة التي تنطوي عليها وسائل التواصل.

ويختم نيوبورت كتابه بمقولة مقتبسة تقول: “سوف أعيش حياة عميقة؛ لأنها أفضل أنواع الحياة”.

اقتباسات

التركيز على مهمة واحدة

إن الجانب الأكثر أهمية في التركيز الفائق هو أن تشغل نطاق انتباهك بمهمة واحدة فقط، تكون مثمرة، أو ذات مغزى.

يتطلب التركيز الفائق منا قوة إرادة وطاقة ذهنية حتى ينشط.

وفر التركيز الفائق للمهمات الأكثر تعقيدًا.

لكي تتمكن من دخول حالة التركيز الفائق لا بد من أن:

تختار شيئًا مثمرًا وهادفًا توجه إليه انتباهك.

تتخلص من أكبر قدر ممكن من المشتتات الداخلية والخارجية.

تركز على الشيء الذي اخترت أن توجه إليه انتباهك.

تستعيد تركيزك باستمرار على ذلك الشيء الذي وجهت إليه انتباهك.

عندما يقاوم عقلك تأدية مهمة ما، ولو بشكل طفيف، فإنه سيبحث عن أشياء غير مألوفة ليركز عليها، وتعد هواتفنا الذكية مثالا رائعًا لهذه الأشياء؛ فهي توفر فيضًا لا نهاية له من المعلومات الخفيفة الشائقة التي تتدفق إلى عقولنا فتنشغل بها.

إن تغييرك البيئة المحيطة بك من أهم الوسائل المثلى التي يمكنك من خلالها أن تنمي بها تركيزكن فالبيئة التي يقل فيها تعرضك للتشتيت أو المقاطعة هي أكثر البيئات التي تساعدك على التركيز.

إن المشتتات حاضرة دائمًا، واللوم لا يلقى على المشتتات الخارجية وحدها، فقد تنشأ المشتتات داخليًا.

إننا نبذل جهدنا ووقتنا في أشياء كثيرة، انطلاقًا من عاداتنا، دون أن نتساءل ما إن كانت هذه الأشياء تستحق ذلك أم لا.

كريس بيلي (2020). التركيز الفائق. الرياض: مكتبة جرير.