قراءت

الأوبئة والشعوب

للتاريخ طريقته الخاصة في التفاعل مع الأحداث المعاصرة؛ فيعيد البحث في تجارب إنسانية سابقة تعكس مشكلات واهتمامات قائمة. واليوم، تعد الأوبئة من أبرز القضايا التي نعيشها ونتفاعل معها، ولذلك وجدت من المناسب أن أعرض لكم كتابًا قرأته خلال الفترة الماضية، وهو كتاب: الأوبئة والشعوب، للمؤرخ الأمريكي ويليام ماكنيل.

صدر الكتاب أول مرة في عام 1976م، في الولايات المتحدة، خلال فترة مهمة من تاريخ الصراع بين الإنسان والأوبئة، فقد شهدت تلك الفترة تفوق العلم، وأسهمت الاكتشافات العلمية، واستراتيجيات تطوير الصحة العامة، وتحسين مستوى المعيشة في القضاء على العديد من الأوبئة، أو الحد من آثارها الفتاكة خاصة في الدول ذات النظام الصحي المتقدم.

لم يكن ماكنيل هو الأول في البحث عن تأثير الأوبئة على الإنسان عبر التاريخ، لكن كتابه حقق شهرة كبيرة، باعتماده على منهج البحث التاريخي، لدراسة قضية قد تبدو في البداية بعيدة عن مجال اهتمام التاريخ.

وخلال الكتاب سعى المؤلف لتقديم تفسير جديد لأحداث التاريخ، من خلال الالتفات إلى علاقة الإنسان وتفاعله بما حوله من عوامل بيئية واجتماعية وجغرافية ومناخية، واعتبارها عوامل مهمة أسهمت في تحديد مصيره.

يتكون الكتاب من ستة فصول، إضافة إلى المقدمة والخاتمة. بدأ الكتاب بمناقشة أنشطة الإنسان في بداية حياته، ثم انتقل إلى استقرار الإنسان ونمو المجتمعات في فجر التاريخ، والعوامل التي أسهمت في ظهور الأوبئة وتأثيراتها في منطقة أوراسيا خلال فترة طويلة تمتد من 500 ق. م إلى 1200 م، ثم ينتقل ليناقش أثر المغول في تغيير مسار الأوبئة خلال الفترة 1200-1500م، ثم انتقال الأوبئة عبر المحيطات خلال الفترة 1500-1700م، ثم يختم بالأثر الذي أحدثه تطور العلوم الطبية منذ القرن الثامن عشر.

وحول علاقة الإنسان مع الأوبئة، يتتبع الكتاب هذه العلاقة ويعود بها إلى زمن بعيد، ليؤكد فكرته حول أثرها العميق على الإنسان.  

ناقش الكتاب مسببات الأمراض، وعلاقتها بحياة الإنسان الاجتماعية، منذ فجر التاريخ، وتطرق في هذا إلى أنشطة الإنسان وأسلوب حياته، من صيد وتنقل إلى استيطان وزراعة، ثم  إلى التجارة والحروب التي اكتسحت أجزاء واسعة من سطح الأرض في فترات زمنية مختلفة، ويرى المؤلف أن الأوبئة استوطنت في بداية تاريخ الإنسان في بقع متباعدة ومنعزلة عن بعضها البعض على مساحة واسعة من العالم، ثم أسهم تطور وسائل المواصلات في التقريب بين هذه البقع، بمعنى أن الأوبئة انتقلت مع تنقل الحشود البشرية الكبرى عبر القارات، ثم يؤكد أن الأوبئة أسفرت عن تغيرات في البنى السياسية والاجتماعية أينما حلت.

وقدم خلال كتابه العديد من الأمثلة عن الأوبئة، التي توزعت عبر مدى زمني طويل، وعلى مناطق جغرافية واسعة، مثل: طاعون جستنيان الذي اجتاح أوروبا ومناطق من الشرق الأدنى، وطاعون الصين، والزهري والتيفوس في أوروبا، والجدري في المكسيك.  وغيرها. ليخرج بنتائج أهمها أن الأوبئة قد تركت أثرًا مهمًا على التاريخ البشري منذ زمن بعيد، مؤكدًا بأن العالم يتغير بعد كل موجة وباء.

والله يحفظنا وإياكم.

McNeill, William. Plagues and Peoples. New York: Anchor Books, 1998.

Avatar

أكاديمية وباحثة، أعمل في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، الرياض، المملكة العربية السعودية

اكتب تعليق