تتصل دراسة التاريخ بأنواع مختلفة من العلوم، يطلق عليها مصطلح “العلوم المساعدة”، ومنها الجغرافيا، والاقتصاد، والاجتماع، والآثار، والسياسة وغيرها من العلوم، ويرى بعض الباحثين أن كل العلوم تعد علومًا مساعدة للتاريخ؛ وذلك لطبيعة علم التاريخ الذي يتناول أوجه النشاط الإنساني المختلفة.
وتمثل العلوم المساعدة أهمية كبيرة للباحث في مجال التاريخ، إذ يحتاج أن يكون واسع الثقافة، مطلعًا على العلوم التي تساعده في فهم الظواهر الإنسانية، والتعرف إلى وجهات نظر جديدة تساعد في تفسير الحدث التاريخي بشكل سليم.
ومن جهة أخرى، فإن العلوم المساعدة هي علوم قائمة بذاتها، ولكل منها منهج علمي، وبنية معرفية تختلف عن علم التاريخ. فلذلك من المهم أن يدرك الباحث في مجال التاريخ أن علاقته بالعلوم المساعدة لا تعني أن يغادر ميدان تخصصه، بل عليه الاستفادة من المعلومات المتاحة بالقدر الذي يخدم موضوعه وتخصصه البحثي، وأن يوظف المعلومات والخبرات التي تقدمها العلوم المساعدة لصالح الكتابة التاريخية، ويستفيد منها في ضوء منهج البحث التاريخي.
ومن التجارب الناجحة التي تؤكد هذا المبدأ، تجربة مدرسة الحوليات الفرنسية، التي تميزت بالانفتاح على العلوم المساعدة، واستقطابها إلى ساحة التاريخ للاستفادة منها؛ فمنبع التجديد لديهم كان من خلال تطوير المنهج التاريخي، ليتمكن من طرق موضوعات جديدة، مما نتج عنه ازدهار الكتابة التاريخية، وعودة الاعتبار للتاريخ بوصفه علمًا منهجيًا مقننًا.
تكمن قوة الباحث في التزامه بتخصصه، ومنهجه، والعمل على تطويره، وتجديده، وليس بالخروج إلى تخصصات أخرى تضيع فيها هويته العلمية
وقد حذر بعض المؤرخين المهتمين بمنهج البحث التاريخي من مغبة التداخل بين التاريخ والعلوم المساعدة دون رؤية منهجية؛ وفي هذا ينتقد فرانسوا دوس، في كتابه التاريخ المفتت، ابتعاد الباحثين عن تخصصهم في التاريخ للغوص في العلوم المساعدة العديدة، فيحذر قائلًا: إن اقتباس عدد كبير من القوانين النظرية، والمصطلحات والمناهج النابعة من علوم مجاورة أدت بالتاريخ إلى التفتت، فلم يعد هناك تاريخ بالمعنى العلمي وإنما تاريخ منبث داخل العلوم الاجتماعية والإنسانية عموما. ويرى أن الاتساع المتسارع لمجال المؤرخ وازدياد المناطق المستحدثة، كل ذلك تم، مقابل خطر غير متوقع، وهو تقطيع جديد داخل تخصص التاريخ تحت غطاء تخصصات جديدة. ويؤكد ضرورة الاستفادة من هذه العلوم في ضوء اختصاص التاريخ، ويعتبرها مسألة مهمة تتعلق بالحفاظ على علم التاريخ، وتجنب ذوبانه ضمن العلوم الأخرى.
ويناقش جون غاديس في كتابه المشهد التاريخي The Landscape of History مسألة التلاقي المعرفي، والعلاقة بين التاريخ والعلوم المساعدة، ويصل إلى نتيجة تؤكد أنه على الرغم من أوجه الشبه في الموضوعات التي يتناولها التاريخ وغيره من العلوم، إلا أن هناك اختلافات عديدة بين طريقة تناول المؤرخين، والطرق التي يتبعها غيرهم من المتخصصين في العلوم الأخرى.
وينادي عبدالله العروي في كتابه مفهوم التاريخ بضرورة أن يلتزم الباحث بالنظر إلى الظاهرة أو الحدث من زاوية المؤرخ، وليس من زاوية أخرى، وأكد على أهمية أن يحافظ علم التاريخ على استقلاله وخصوصيته.
وختامًا، علم التاريخ علم متفرد، وتجديده ينبع من قدرة الباحثين على التطوير والبناء بالاعتماد على المصادر المتجددة، والمنهج العلمي الدقيق.