قراءت

قراءة في كتاب “عمل عميق قواعد لتحقيق نجاح مركز في عالم مشتت”

أقرأ معكم من خلال مدونتي اليوم كتابًا أعتبره كتابًا مميزًا، بل ومن الكتب الجميلة والمحببة إلى نفسي، وهو كتاب بعنوان: عمل عميق، قواعد لتحقيق نجاح مركز في عالم مشتت، لكال نيوبورت.

الجميل في الكتاب أنه يشارك بسخاء نصائح، وإرشادات ساعدته شخصيًا على تحقيق النجاح والتميز العلمي والمهني

وأبدأ معكم من العنوان، فقد ابتكر المؤلف مصطلح (العمل العميق) وكتب حوله بعض المقالات على مدونته https://www.calnewport.com/blog/ ثم طور هذا المفهوم خلال هذا الكتاب.

يوضح نيوبورت أن كتابه له هدفان، الأول هو إقناع القراء بأن نظرية العمل العميق صحيحة، والهدف الثاني هو تزويد القراء ببعض الإرشادات التي تساعد في تطوير عادات عمل إيجابية تساعدهم في تحقيق التميز.

ويؤكد على أهمية العمل العميق بالقول أن العمل العميق ليس مهارة عتيقة قليلة القيمة، بل هو مقدرة مهمة لأي فرد يتطلع إلى التقدم.

فما هو العمل العميق من وجهة نظره؟

يعرفه نيوبورت بأنه الأنشطة المهنية التي تؤدى في حالة من التركيز المتواصل الذي يدفع قدرات الفرد المعرفية إلى أقصى مدى.  وعلى العكس منه يقدم تعريفًا للعمل السطحي، فهو المهام التي لا تتطلب معرفة، وذات طابع لوجستي، وتؤدى في أثناء تشتت الذهن.

ويقوم الكتاب على فكرتين:

الأولى: هي أن العمل العميق مهارة سينتج عن تطبيقها فوائد هائلة على المستوى الشخصي والمهني.

الثانية: أن إتقان العمل العميق ممكن من خلال اتباع إرشادات عملية تساعد في تطوير هذه المهارة.

ينقسم الكتاب إلى قسمين:

الأول بعنوان: الفكرة، ويلخصها في أن العمل العميق ذو قيمة، ونادر، وهادف.

أما الثاني فهو القواعد، وهي: العمل بعمق، وتقبل الملل، والامتناع عن وسائل التواصل الاجتماعي، وأخيرًا الحد من السطحية.

خلال الكتاب يشارك نيوبورت بسخاء وكرم تجربته الشخصية مع العمل العميق، فعلى الرغم من انخراطه في الحياة الأكاديمية بكل التزاماتها، والتزامه بالحياة الأسرية بتفاصيلها العديدة، إلا أنه تمكن من تحقيق أهدافه في التأليف والبحث والتدريس ومشاركة الخبرة مع الآخرين، وحول هذا يقول: “كافأني التزامي بالعمق بالعديد من الإنجازات رغم أني كنت نادرا ما أعمل حتى الخامسة أو السادسة مساء. لقد بذلت جهدا كبيرا في تقليص السطحية في حياتي، والاستفادة القصوى من الوقت المتوافر، فأنا أخطط لأيامي على أساس العمل العميق، إضافة إلى الأنشطة السطحية الضرورية… إن أيام التركيز المتواصل تؤتي الكثير من الثمار القيمة”.

ومن الأمور التي شدتني في الكتاب النماذج العديدة التي قدمها لأناس ناجحين تمكنوا من التغلب على التشتت، وأنجزوا أعمالهم بسلام وإتقان.

ومن النماذج التي تحدث عنها الكتاب البروفيسور آدم جرانت، وهو الأستاذ الأعلى في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، وحاصل على جوائز تدريسية وبحثية متعددة، واشتهر بإنتاجه العلمي الغزير، وتميزه البحثي، ومع ذلك كان منفتحًا ومعطاءً، مانحًا الكثير من وقته لمساعدة الآخرين، وشرح منهجه في كتابه الشهير: الأخذ والعطاء. فكيف تمكن جرانت من تحقيق هذا القدر من النجاح، إلى جانب العطاء المستمر؟ الجواب باختصار أنه تمكن من اتباع أسلوب يقوم على العمل العميق، إلى جانب الإيمان بقيمة مشاركة المعرفة كإستراتيجية رئيسة في التقدم المهني.

من النماذج التي قدمها نيوبورت كذلك، طالب دكتوراه يسمى برايان تشابيل، فخلال دراسته للدكتوراه التحق بعمل بدوام كامل، فضلا عن أنه رزق بطفله الأول خلال تلك الفترة، ورغم هذه الالتزامات إلا أنه تمكن من التغلب عليها، من خلال الالتزام بالعمل العميق على رسالته العلمية في الصباح الباكر ما بين الخامسة والسابعة والنصف صباحًا من كل يوم.

وخلال فصل الامتناع عن وسائل التواصل الاجتماعي شارك المؤلف العديد من التجارب لأشخاص تمكنوا من الحد من تأثير وسائل التواصل على أعمالهم، واختاروا العمل العميق الذي ساعدهم على الإنجاز، ومن التجارب الطريفة والملهمة التي ذكرها تجربة الكاتب “باراتوندي ثورستون” الذي قرر أخذ فترة راحة من وسائل التواصل، وقرر الانفصال عن حياته على الإنترنت لمدة خمسة وعشرين يومًا، ثم كتب عن تجربته في مقالة افتتاحية لمجلة فاست كومباني، وعنوان المقالة: “غير متصل”، والفائدة من تجربته أنها كشفت له أن وسائل التواصل تستنفد الوقت، وتقلل القدرة على التركيز، وتجعل الإنسان في حالة من التشويش، ولذلك فمن أجل إتقان فن العمل العميق لا بد من السيطرة على الوقت، والحفاظ على التركيز بعيدا عن الملهيات العديدة التي تنطوي عليها وسائل التواصل.

ويختم نيوبورت كتابه بمقولة مقتبسة تقول: “سوف أعيش حياة عميقة؛ لأنها أفضل أنواع الحياة”.

Avatar

أكاديمية وباحثة، أعمل في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، الرياض، المملكة العربية السعودية

Comments (2)

  • Avatar

    كتاب رائع واختيار موفق من استاذة غير العادة ولو استطيع ان اُضيف امثلة يُحتذى بها لاأضفتك اقسم بالله انت دوماً مُلهمتي كافحتي ووصلتي زوجة وام وطالبه لمرحلتي ماجستير ودكتواره معطاءة لا تبخلين بعلمك ولا تتوانين للمساعده وليس عندك شيء اسمه نقطه لنهاية عملك او بالأحرى نقول نهايه انتي دوماً تتطلعين للمزيد بارك الله فيك وبارك بعلمك وزادك من فضله ونعيمه معلمتي وملهمتي

    اختك هيفاء الطويان

    رد
    • Avatar

      أهلا بك هيفاء، ممتنة جدًا لكلماتك الطيبة، وسعيدة أن وجدت لديّ ما يلهمك، تجاربنا المشتركة تساعدنا أن نتعلم من بعضنا البعض، وأسأل الله تعالى لك بمثل دعواتك.

      رد

اترك رداً على هيفاء إلغاء الرد